اسألوا فيسبوك
عندما
سألت شبكة "سي إن إن" "وائل غنيم" أو "جوجل المصري" كما صار يسمى: "هل
سيمتد تأثير "فيسبوك" الاقتصادي والسياسي لكل المنطقة ويؤثر أكثر في منطقة
الشرق الأوسط؟" أجاب بكلمتين فقط: "اسألوا "فيسبوك"." وعندما ضحك المذيع
أكد له "غنيم" بأنها إجابة لا دعابة.
يعتبر
"جوجل" و"فيسبوك" أكبر موقعين على الإنترنت وستستمر المنافسة بينهما
لسنوات طويلة، وإن كنت أتنبأ بأن يتفوق الأخير بسبب الآلية التي يعمل بها،
والتأثيرات النفسية التي يتحلى بها. فهناك من يتنبأ أنه بحلول عام 2013
سيصبح لكل مستخدم إنترنت اشتراك أو أكثر على "فيسبوك"، ولكل واحد من هؤلاء
150 صديقًا في المتوسط.
كل
من كتبوا عن ظاهرة "فيسبوك" مؤخرًا أشاروا لمامًا إلى تأثيره الواضح في
تغيير الفكر الاقتصادي والتسويقي والاجتماعي والإعلامي في العالم العربي،
وتأثيره الأوضح في دول الخليج العربية. لكن معظم المحللين ركزوا على حدوث
التأثير دون تعليل أو تفسير. فلم يتطرقوا إلى الآلية التي يعمل بها التشبيك
والتفاعل الإلكتروني في إعادة تشكيل الشخصية، وإعادة رسم الخريطة الذهنية
والنفسية لأكثر من 650 مليون عضو عامل في هذه الدولة الإلكترونية. إذ يشكل
"فيسبوك" اليوم ثالث أكبر مجتمع في العالم بعد كل من الصين والهند.
في
المجتمعات الغربية يعتبر "فيسبوك" ساحة للتعارف والتسلية والترفيه أولاً
وقناة للتسويق ثانيًا. أما في المجتمعات النامية فهو ساحة للحوار أولاً،
والتسلية والتسويق ثانيًا. ففي مصر مثلاً يبلغ عدد أعضائه 5 ملايين عضو
يشكلون 7% من السكان. في حين وصل عددهم في السعودية إلى 3 ملايين يشكلون
11% من السكان، وسوف ترتفع هذه النسبة بمتوالية هندسية بسبب زيادة نسبة
الشباب في المجتمع، وزيادة عدد مشتركي الإنترنت بسبب الازدهار الاقتصادي
وتطور الاتصالات.
المهم
هو أن من يدخلون في حوار مفتوح مع 600 مليون صديق حول العالم، سيتبادلون
معهم الأفكار والمعلومات والفيديوهات والبروفايلات والابتسامات والرغبات
والطلبات. ففي هذا العالم المفتوح الذي يديره شاب أمريكي في السادسة
والعشرين من العمر، يعيش الناس في فوضى منظمة بلا رقيب ولا حسيب سوى بعض
الوعي وشيء من الضمير الحي، إن وجد.
في
ساحات "فيسبوك" الممتدة بمساحات الأرض والفضاء، من حقك أن تصادق من تحب
وترفض من لا تحب، فأنت تطلب وتحجب، وتصغي وتخطب، وترضى وتغضب، وتعطي وتأخذ،
وتحتار ثم تختار، وترسل وتستقبل، وتهاجم وتدافع، وتضحك وتبكي. فكل ما
تفعله أو لا تفعله هو نتاج سلسلة متشابكة من الاختيارات التي لا يعرف أحد
من أين تبدأ، ويعرف الجميع أنها لا تنتهي.
عندما
أغلقت "مصر" شلال الإنترنت لمدة أسبوع ثار عليها الناس مدفوعين بشعور
القطيع. انضم إليهم رجال السياسة والاقتصاد والمال والأعمال؛ من النساء
والرجال، ليسوا مدفوعين فقط بضغوط العالم الإلكتروني الجديد، بل وبضغوط
نفسية وفردية منبثقة من خلايا المخ وتفاعلاتها الكيميائية، وومضاتها
الكهربائية التي تهيج الدماغ المدمن على التفاعل عن بعد مع تيار المعلومات
المتدفق من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب.
"وائل
غنيم" وكل جيوش الإنترنت المتجحفلة والمتجوجلة أدمنت التشفير والتعبير في
ساحة التفاعل الإلكترونية، وصار من الصعب التفريق فيها بين الجاني والضحية.
وقد حدث كل هذا بتكاليف بسيطة لا تزيد عن اشتراك الإنترنت وثمن "لاب توب"
أو "بلاك بري" إلا قليلاً.